Wednesday, August 6, 2008

مس المصحف للمحدث

مس المصحف للمحدث

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد..ففي هذه الورقات نتناول حكم مس المصحف للمحدث البالغ والصبي، والمختار للفتوى تحريم مس المصحف للمحدث البالغ، وعدم جواز تمكين الصغير غير المميز من مس المصحف، وإباحة ذلك للصبي المميز إذا احتاج لحفظ القرآن أو لتثبيت حفظه إن كان حافظًا، أما ما لا يظهر فيه هذا المقصد -كما لو كان للتعبد المحض ونحوه- فلا، مع التنبيه على استحباب إتيانه بالطهارة ليعتاد ذلك وليعظم قدر القرآن في قلبه.

المبحث الأول
في حكم مس المصحف للبالغ المحدث

اختلف أهل العلم في حكم مس المصحف للبالغ المحدث على قولين:

القول الأول:

أنه لا يجــــوز للمحـــدث حدثًا أصغر أن يمس المصحف كله أو بعضه، وهذا القول مروي عن علي، وابن مسعود، وابن عمر، و سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، والحسن، وعطاء، وطاوس، والشعبي، والقاسم بن محمد، والزهري، والنخعي، والحكم، وحماد، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، والثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وأبي عبيد، وهو قول الفقهاء السبعة من أهل المدينة ([1]).

القول الثاني:

أنه يجوز للمحدث حدثًا أصغر مس المصحف وهو قول الظاهرية ونسبه القرطبي إلى جماعة من السلف منهم: ابن عباس، والشعبي. وعزاه الشوكاني إلى الضحاك، وزيد بن علي، والمؤيد بالله، والهادوية، وقاضي القضاة ([2]).
الترجيح:
مما سبق يتبين لنا رجحان ما ذهب إليه الجمهور لقوة ما استدلوا به وضعف أدلة المخالف وما وجه إلى أدلة الجمهور من اعتراضات أمكن دفعه. والقول بالتحريم هو الموافق للمستقر عليه عند الصحابة رضوان عليهم، وهو الأليق بإجلال القرآن وتعظيمه والعمل بهذا الرأي أحوط وفيه خروج من العهدة بيقين.
المبحث الثاني
في حكم الطهارة للصغير


اتفقت المذاهب الأربعة على أنه لا يجوز تمكين الصغير غير المميز من مس المصحف، وأما الصبي المميز فقد اختلفوا في شأنه على الأقوال التالية:

القول الأول :
أنه يجوز تمكين الصغير من مس المصحف. وهو قول الحنفية، والمالكية في المعتمد، والشافعية في الأصح والحنابلة في رواية ذكرها القاضي وهي وجه في الرعاية وغيرها وأجازوا مس المكتوب في رواية ويجوز مس اللوح وحمله على الصحيح من المذهب، والقول بجواز التمكين هو مذهب الظاهرية.
القول الثاني:
أنه يكره للصغير مس المصحف كله لا بعضه، وهو قول لبعض المالكية ([43]).
القول الثالث:
أنه يحرم على الصغير مس المصحف كله أو بعضه على غير طهارة كالبالغ، ويأثم من مكنه من ذلك، وليًا كان أو غيره.
وبهذا قال: الشافعية في قول، والحنابلة في الصحيح من المذهب.
الترجيح :
الأصل في هذه المسألة هو تحريم المس لمن لم يكن على طهارة والأدلة لم تفرق بين صغير وكبير لكن هذا الأصل معارض بما تقرر في الشرع من أن المشقة تجلب التيسير ولا شك في أن إيجاب الوضوء على الصغير فيه مشقة كبيرة؛ إذ هو يحتاج في حفظه إلى دوام مطالعته مرات كل يوم ولو أوجبنا عليه الوضوء لكل مرة لربما أفضى إلى تنفيره من المطالعة والحفظ، ثم الصغير قد لا يستطيع أن يستمسك محافظًا على طهارته ولا ينضبط له هذا الأمر وهو لازال في سن يروضه وليه ليعتاد الشرائع بخلاف الكبير. فإذا احتاج إلى مس المصحف على غير طهارة لدفع مشقة تتكرر جاز له وإلا عمل بالأصل وهو التحريم. وعليه فالراجح جواز المس للصبي المميز إذا احتاج لحفظ القرآن أو لتثبيت حفظه إذا كان حافظًا أما ما لا يظهر فيه هذا المقصد كما لو كان للتعبد المحض ونحوه فلا. ولا يفوتنا أن ننبه على استحباب إتيانه بالطهارة ليعتاد ذلك وليعظم قدر القرآن في قلبه والمجيزون لا ينازعون في هذا.
والله تعالى أعلم.

No comments: